توطئة: مرشان الهمة و الشان هي كذلك ويصح لها ذلك.وقبل أن آخذك في رحلة
البحث هاته أذكرك أن هذا العمل أقدمه عرفانا لكبير علماء القرن العشرين
المحقق أبو الكلام آزاد العالم الهندي رحمه الله و الذي اقتسبت منه منهجيته
في تحقيق غرائب الأخبار و أعقدها على مر العصور
.
مقدمة : في الحلقة الأولى من موضوع الأصل من كلمة مرشان شاب البعض القليل من الشك في الطرح الذي قدمته متناسين الفرق بين ماهو نقلي وماهو عقلي في مضمون الحلقة الأولى و بما أنها مرشان فالله غالب على أمره وما يسعني سوى الإذعان للمتلهفين على الحصول على المعلومة الصحيحة لهاته البلدة الغالية علينا ولولا الحب الذي يجمعنا من أجل هاته المدينة و علو شأنها بين المدن المغربية ما كنت لأخط حرفا واحدا مادام غيري يسترزق بإسم طنجة و يكسب به الدرهم و الدينار مقابل ما أقدمه بالمجان من أجل تعميم الفائدة و الإعتزاز بهاته البلدة التي نحبها جميعا بقلب رجل واحد .و أنا الآن أدعوك إلى أرقى المواضيع تحقيقا في إسم مرشان و الغير المسبوق على مر الأزمنة في التواريخ البلدانية التي كتبت حول طنجة .فقط لأنك طنجاوي فأنت تستحق الأفضل وهو هدية مجانية مني إلى طنجة و تاريخها الذي تطاله اليوم أيادي العبث و التمسح بالمرجعية الغربية بالحرف لا بالنقد فقط من أجل الظهور على حساب إسم طنجة لنيل شهرة و مكانة ومكاسب مادية و أخرى خبزية ..
الأصل من إسم مرشان ** مرس الشان ** :
لنصل لتلك الدلالة لمدلول الكلمة في لسان أهل طنجة لابد لنا من معرفة نسقية اللسان الطنجاوي الدارج و معرفة السببية من المدلول للإسم على التخصيص لا على الإطلاق العام .هذا الترابط المتزامن مع السببية من الإسم يحيلك إلى البحث عن اتساق وانسجام بين المدلول و الدال في المعنى الواحد المراد في الإسم بعمومه مرشان ..وهذا بالضرورة سيطرح أمامك صعوبة الوصول إلى النتيجة الحتمية في غياب النص أو الوثيقة الدالة على معنى المدلول المراد هنا و هو مرس الشان أو مرشان و الأمر أكثر أشكلة هو البحث عن وجود تفسير لأصل سابق وجد في حينه ووقته بمعناه الدال عليه تخصيصا لا تعميما و إن انقطع النص الصريح منه وتلك هي التلازمية بين الأصل الأول منه و الذي وجد من أجله ومابقي منه تداولا على ألسنة العامة بأصله و ماشابه من تحريف أو تصحيف نطقا و معنى.
وحتى لا أطيل عليك بكلام أشبه به من الفلسفة و أقرب إليه نحو المنطق .فقد درجت العادة في طنجة في القرن الثامن عشر إطلاق الأراضي الفارغة و المنبسطة منها و التي بها عيون الماء إسم المرس و لا يستقيم إطلاق إسم المرس مفردا لأنه يكون مركبا إلا فيما ندر وكنت في فقرات سابقة أشرت أن المرس كلمة أمازيغية وتعني الخزين غير أن مدلولها في الشمال عكس ذلك حيث أنني بحث عميق بحث وجدت أن هاته الكلمة تطلق بكثرة جهة القصر الصغير في المنطقة الجبلية على الأماكن التي تكون بها مروج خضراء منبسطة و منها مرس الشجيرات بالقرب من فرديوة و عندنا مرس طرخوش إضافة إلى أكثر من ثلاث أمراس جهة فحص طنجة ماتزال معروفة بالمرس إلى يومنا هذا .ولكن ماهو وجه العلاقة بين مرس و مرشان التي كثير من الناس من صغري يحيلونها إلى إسم بريطاني marshall و كثير من الفرضيات المحمولة على التكلف كما خرج علينا بحث حول جنان قربطان و ألصقوا إليه قسرا أنه حديقة الحاكم البريطاني بقوة الدليل المفبرك ولي عودة إليه في وقت لاحق لتصحيح تلك الأشياء في حينها .عموما بعد بحث طويل في الوثائق الغميسة و من غريب النصوص التي نشرت حول طنجة وجدت نصا بالغ الأهمية يحيلنا إلى تجديد نمط البحث في تاريخنا البلداني و يحتاج إلى عميق ذكاء و كثير معرفة بثقافة طنجة البلدانية المحلية من أجل الوصول للأسرار من هاته البلدة وما ما إلتبس من أصل الكلمة
أبدأ من حيث انتهيت في الحلقة السابقة من موضوعنا الشيق الذي ينتظره بتلهف أصدقاء الصفحة ولا بأس في بداية هذا الموضوع أن أذكركم بما أدرجه المستعرب الفرنسي ميشو بيلير في كتاب طنجة و منطقتها المنشور سنة 1921 ص 378: أدرجها ضمن مداشر الداخلة في نطاق ربوع الفلافلية ويعد عدد سكانها حوالي 600 فرد ينتمي أغلبهم للريف من بني سعيد و بني توزين كانت تحتسب حتى سنة 1920 من ضواحي طنجة إلى جانب المصلى و بوخشخاش .و أضيف من جانبي ملاحظة هامة أن المقصود من فقرة ميشوبيلير هي القرية و الجماعة و المطافي أما مرشان التي سنتناول الحديث عنها فهي التي تبتدئ من دار المنبهي و المستشفى الفرنسي إلى حدود المقبرة بما فيها المطافي و القرية و الجماعة أي الهضبة كاملة .
في 3 من يونيو سنة 1810 م قدم الكابطان أنطوان بوريل تقريره العسكري إلى نابوليون الأول تحت إسم مذكرات عسكرية التي كتبها ضمن رحلته للمغرب 1808 م و كان قد دخل إلى طنجة في 27 من ماي وقد مكث بها ثلاثة أشهر جمع من خلالها معلومات عسكرية دقيقة تمهيدا لحملة فرنسية كان تخطط لها فرنسا ضد المغرب ..وقد نشر هاته المذكرات جاك كايي ضمن كتاب بعنوان مهمة الكابطان أنطوان بوريل في المغرب سنة 1808 .و قد نشر هذا الكتاب في باريس سنة 1953 م وما يهمنا من هذا الكتاب سوى سطرين حول مرشان يعدان في غاية الأهمية .قال بوريل في فقرة مرشان :(le plateau de MARCHAND qui a 800 toises de longueur et 300 toises de largeur est tres propre.tant à asseoir ,un fort qu'à servir de camp retranché et d'appui a une armée...)..
أول شيء يثير انتبهانا كلمة مرشاند بدل مرشان .وقد تبدو تلك الكلمة للوهلة الأولى أن الكابطان بوريل سقطت خطأا منه فبدل أن يكتب مرشان كتب مرشاند ..هاته الملاحظة الأولى و قد يأتي مشكك آخر و يقول أن أنطوان بوريل قصد مكانا آخر غير الذي نحن بصدده .وهذا هو السبب الذي جعلني أدرج المساحات المذكورة المعبر عنها ب 800 تواز و 300 تواز ..و التواز هي من المقاييس الحربية المستعملة في الحرب و المعنى منها حدود مرمى القذيفة من مدفع ملكي وحتى لا أدخل في تفاصيل هاته المقاييس فيتيه عنك المعنى فالمساحة المذكورة هي 30 فدانا * 11 فدانا أي ما يعرف عندنا بالهكتار ..أعود إلى النقطة التي أشرت و هي مارشاند marchand لنبحث عن الخلفية التي جعلت الكابطان بوريل يكتبها بهذا الشكل مارشاند و ترجمتها عندنا بالعربية التاجر فهل أخطأ بوريل في نقل كلمة مرشان إلى مرشاند أم أن بوريل كتب ما سمع و عرفه ..كما هو معروف و معلوم بالضرورة أن الأجانب الذين يدخلون طنجة كان حتما أن يرافقهم مرشد خاص يعرف لغة الأجنبي و في ذات الوقت أن أصحاب الحملات و الجواسيس كانوا في المقابل يعرفون اللغة العربية أو قليل من اللسان الدارج مسبقا ليسهل عليهم التواصل مع الناس ..فكيف إذن تم نقل هاته الكلمة و بهاته الكيفية .؟؟؟الأمر ببساطة شديدة وغاية اليسر أن الأماكن توجد قبل الأسامي و الحاجة إلى التعريف بالمكان تفرض تسمية المكان لإحقاق الغرض ..فالناس في البلدة يسمونه المرس وإذا كان قاصدا شخص مرشان يقول سأذهب إلى المرس و لكن المستمع او السائل لا يتبين عن أي مرس يقصد فهنا دعت الحاجة إلى تسمية (مرس د الناس د الشان ) و الشان عندنا هو صاحب المكانة العالية في المجتمع المحلي وهذا معروف بالضرورة أن مرشان كان بها عرصات و بساتين على الجانب من يسار و يمين هضبة مرشان و لا يمتلك تلك العرصات و البساتين سوى أصحاب الحال و الشأن من النخبة الطنجاوية وكانت الأراضي وسط الهضبة فارغة حتى حدود المقبرة و كان المخزن يقيم بها تدريبات عسكرية بها و كان كما اشرت في السابق أن ملعب الأشجار قرب مقهى حنفطة كانت هناك آثار برج حتى حدود سنة 1910 ميلادي و هو الذي قصده بوريل في الفقرة التي ذكرتها أعلاه .ولكن ماهو وجه العلاقة بين مارشاند MARCHAND و مرشان .الأمر أبسط مما تتخيل فيه من التعقيد .إن المرافق الذي كان يرافق الكابطان بوريل كان يدله على أسماء الأماكن المحلية باللغة المتداولة و الحال أن الحذف وقع في الجملة من الكلمة مرس د الناس د الشان كما هو الحال أن تقول أهلا و سهلا و الأصل منها حللت أهلا و نزلت سهلا فكذلك في مرس د الناس د الشان فأصبحت مرس الشان ثم حذفت كلمة الناس لثقلها وإختفت السين إضغاما لقوة الشين وغلبتها في النطق على السين كما هو الحال في الزين و الجيم عند التقائهما ..
ولكن ماوجه العلاقة هذا مع ذاك في كلمة مارشاند و مرس الشان .إن طبيعة مهمة الكابطان بوريل هي مهمة جاسوسية بالدرجة الأولى و تهمه التفاصيل ويهتم بالدقة في جمع معلوماته فأول شيء سيثير انتباهه هي الناس د الشان و سيسأل عن معناها و قد تكرر هذا المنهج عند مولياريس في كتاب المغرب المجهول سنة 1899 حيث كان يدقق كثيرا في أسماء الأماكن و يسعى لمعرفة معانيها .فأنطوان بوريل بالضرورة سأل مرافقه عن المعنى وهذا ما سيتبين حتميا من كلمة مارشاند MARCHAND الواردة ..هنا يتحتم علي الركون إلى لسانيات طنجة و النسق منها تأصيلا لكي يتضح لي المعنى المراد به وادي التاجر PLATEAU DE MARCANDعند أنطوان بوريل. لكن فطانة الكابطان بوريل لم تكن موفقة إلى حد كبير ذلك أن اللسان الطنجي القديم كان لا يصطلح لفظ غني للتعبير عن الأغنياء بل كان عندنا إلى عهد قريب يرد على لساننا الطنجاوي الأصيل فلان تاجر أي فلان غني فالتاجر نقصد بها الغني و هو كذلك مول الشان و عندو الشان أما الذي يزاول التجارة فيسمى عندنا ب البياع شراي و نقول على الجمع عائلة د اتجار أي عائلة الأغنياء و منها جاءت كلمة التويجر أي الغني القليل الثروة .أما بوريل عندما جمع معلوماته و أراد صياغتها حينما قدمها سنة 1810 و كانت معلوماته قد جمعها من ماي إلى يوليوز سنة 1808 بطنجة فلم يجد بدا من ترجمة المعنى الذي سمعه مرس د الشان ووجد أمام ملاحظاته المسجلة في مذكراته وادي اتجار أو الراجل تاجر منه للي عندو الشان فما كان له من بد سوى ترجمتها إلى MARCHAND ..و أنا أقول لو كتبتها اليوم فلان تاجر لظنها القارئ أقصد به أنه يزاول التجارة و هي على العكس تماما مما نتداوله في لهجتنا المحلية ...وهذا هو المعنى من كلمة إسم مرشان أو مرس الشان كما في أصلها ..
كتبه ابنعبدالصادق الريفي .و لله المنة و الفضل بما فتح الله علي فإن أصبت فمن الله و إن أخطأت فمني و من شيطاني ..و الحمد الله رب العالمين ..8 مارس 2014م
..
.
مقدمة : في الحلقة الأولى من موضوع الأصل من كلمة مرشان شاب البعض القليل من الشك في الطرح الذي قدمته متناسين الفرق بين ماهو نقلي وماهو عقلي في مضمون الحلقة الأولى و بما أنها مرشان فالله غالب على أمره وما يسعني سوى الإذعان للمتلهفين على الحصول على المعلومة الصحيحة لهاته البلدة الغالية علينا ولولا الحب الذي يجمعنا من أجل هاته المدينة و علو شأنها بين المدن المغربية ما كنت لأخط حرفا واحدا مادام غيري يسترزق بإسم طنجة و يكسب به الدرهم و الدينار مقابل ما أقدمه بالمجان من أجل تعميم الفائدة و الإعتزاز بهاته البلدة التي نحبها جميعا بقلب رجل واحد .و أنا الآن أدعوك إلى أرقى المواضيع تحقيقا في إسم مرشان و الغير المسبوق على مر الأزمنة في التواريخ البلدانية التي كتبت حول طنجة .فقط لأنك طنجاوي فأنت تستحق الأفضل وهو هدية مجانية مني إلى طنجة و تاريخها الذي تطاله اليوم أيادي العبث و التمسح بالمرجعية الغربية بالحرف لا بالنقد فقط من أجل الظهور على حساب إسم طنجة لنيل شهرة و مكانة ومكاسب مادية و أخرى خبزية ..
الأصل من إسم مرشان ** مرس الشان ** :
لنصل لتلك الدلالة لمدلول الكلمة في لسان أهل طنجة لابد لنا من معرفة نسقية اللسان الطنجاوي الدارج و معرفة السببية من المدلول للإسم على التخصيص لا على الإطلاق العام .هذا الترابط المتزامن مع السببية من الإسم يحيلك إلى البحث عن اتساق وانسجام بين المدلول و الدال في المعنى الواحد المراد في الإسم بعمومه مرشان ..وهذا بالضرورة سيطرح أمامك صعوبة الوصول إلى النتيجة الحتمية في غياب النص أو الوثيقة الدالة على معنى المدلول المراد هنا و هو مرس الشان أو مرشان و الأمر أكثر أشكلة هو البحث عن وجود تفسير لأصل سابق وجد في حينه ووقته بمعناه الدال عليه تخصيصا لا تعميما و إن انقطع النص الصريح منه وتلك هي التلازمية بين الأصل الأول منه و الذي وجد من أجله ومابقي منه تداولا على ألسنة العامة بأصله و ماشابه من تحريف أو تصحيف نطقا و معنى.
وحتى لا أطيل عليك بكلام أشبه به من الفلسفة و أقرب إليه نحو المنطق .فقد درجت العادة في طنجة في القرن الثامن عشر إطلاق الأراضي الفارغة و المنبسطة منها و التي بها عيون الماء إسم المرس و لا يستقيم إطلاق إسم المرس مفردا لأنه يكون مركبا إلا فيما ندر وكنت في فقرات سابقة أشرت أن المرس كلمة أمازيغية وتعني الخزين غير أن مدلولها في الشمال عكس ذلك حيث أنني بحث عميق بحث وجدت أن هاته الكلمة تطلق بكثرة جهة القصر الصغير في المنطقة الجبلية على الأماكن التي تكون بها مروج خضراء منبسطة و منها مرس الشجيرات بالقرب من فرديوة و عندنا مرس طرخوش إضافة إلى أكثر من ثلاث أمراس جهة فحص طنجة ماتزال معروفة بالمرس إلى يومنا هذا .ولكن ماهو وجه العلاقة بين مرس و مرشان التي كثير من الناس من صغري يحيلونها إلى إسم بريطاني marshall و كثير من الفرضيات المحمولة على التكلف كما خرج علينا بحث حول جنان قربطان و ألصقوا إليه قسرا أنه حديقة الحاكم البريطاني بقوة الدليل المفبرك ولي عودة إليه في وقت لاحق لتصحيح تلك الأشياء في حينها .عموما بعد بحث طويل في الوثائق الغميسة و من غريب النصوص التي نشرت حول طنجة وجدت نصا بالغ الأهمية يحيلنا إلى تجديد نمط البحث في تاريخنا البلداني و يحتاج إلى عميق ذكاء و كثير معرفة بثقافة طنجة البلدانية المحلية من أجل الوصول للأسرار من هاته البلدة وما ما إلتبس من أصل الكلمة
أبدأ من حيث انتهيت في الحلقة السابقة من موضوعنا الشيق الذي ينتظره بتلهف أصدقاء الصفحة ولا بأس في بداية هذا الموضوع أن أذكركم بما أدرجه المستعرب الفرنسي ميشو بيلير في كتاب طنجة و منطقتها المنشور سنة 1921 ص 378: أدرجها ضمن مداشر الداخلة في نطاق ربوع الفلافلية ويعد عدد سكانها حوالي 600 فرد ينتمي أغلبهم للريف من بني سعيد و بني توزين كانت تحتسب حتى سنة 1920 من ضواحي طنجة إلى جانب المصلى و بوخشخاش .و أضيف من جانبي ملاحظة هامة أن المقصود من فقرة ميشوبيلير هي القرية و الجماعة و المطافي أما مرشان التي سنتناول الحديث عنها فهي التي تبتدئ من دار المنبهي و المستشفى الفرنسي إلى حدود المقبرة بما فيها المطافي و القرية و الجماعة أي الهضبة كاملة .
في 3 من يونيو سنة 1810 م قدم الكابطان أنطوان بوريل تقريره العسكري إلى نابوليون الأول تحت إسم مذكرات عسكرية التي كتبها ضمن رحلته للمغرب 1808 م و كان قد دخل إلى طنجة في 27 من ماي وقد مكث بها ثلاثة أشهر جمع من خلالها معلومات عسكرية دقيقة تمهيدا لحملة فرنسية كان تخطط لها فرنسا ضد المغرب ..وقد نشر هاته المذكرات جاك كايي ضمن كتاب بعنوان مهمة الكابطان أنطوان بوريل في المغرب سنة 1808 .و قد نشر هذا الكتاب في باريس سنة 1953 م وما يهمنا من هذا الكتاب سوى سطرين حول مرشان يعدان في غاية الأهمية .قال بوريل في فقرة مرشان :(le plateau de MARCHAND qui a 800 toises de longueur et 300 toises de largeur est tres propre.tant à asseoir ,un fort qu'à servir de camp retranché et d'appui a une armée...)..
أول شيء يثير انتبهانا كلمة مرشاند بدل مرشان .وقد تبدو تلك الكلمة للوهلة الأولى أن الكابطان بوريل سقطت خطأا منه فبدل أن يكتب مرشان كتب مرشاند ..هاته الملاحظة الأولى و قد يأتي مشكك آخر و يقول أن أنطوان بوريل قصد مكانا آخر غير الذي نحن بصدده .وهذا هو السبب الذي جعلني أدرج المساحات المذكورة المعبر عنها ب 800 تواز و 300 تواز ..و التواز هي من المقاييس الحربية المستعملة في الحرب و المعنى منها حدود مرمى القذيفة من مدفع ملكي وحتى لا أدخل في تفاصيل هاته المقاييس فيتيه عنك المعنى فالمساحة المذكورة هي 30 فدانا * 11 فدانا أي ما يعرف عندنا بالهكتار ..أعود إلى النقطة التي أشرت و هي مارشاند marchand لنبحث عن الخلفية التي جعلت الكابطان بوريل يكتبها بهذا الشكل مارشاند و ترجمتها عندنا بالعربية التاجر فهل أخطأ بوريل في نقل كلمة مرشان إلى مرشاند أم أن بوريل كتب ما سمع و عرفه ..كما هو معروف و معلوم بالضرورة أن الأجانب الذين يدخلون طنجة كان حتما أن يرافقهم مرشد خاص يعرف لغة الأجنبي و في ذات الوقت أن أصحاب الحملات و الجواسيس كانوا في المقابل يعرفون اللغة العربية أو قليل من اللسان الدارج مسبقا ليسهل عليهم التواصل مع الناس ..فكيف إذن تم نقل هاته الكلمة و بهاته الكيفية .؟؟؟الأمر ببساطة شديدة وغاية اليسر أن الأماكن توجد قبل الأسامي و الحاجة إلى التعريف بالمكان تفرض تسمية المكان لإحقاق الغرض ..فالناس في البلدة يسمونه المرس وإذا كان قاصدا شخص مرشان يقول سأذهب إلى المرس و لكن المستمع او السائل لا يتبين عن أي مرس يقصد فهنا دعت الحاجة إلى تسمية (مرس د الناس د الشان ) و الشان عندنا هو صاحب المكانة العالية في المجتمع المحلي وهذا معروف بالضرورة أن مرشان كان بها عرصات و بساتين على الجانب من يسار و يمين هضبة مرشان و لا يمتلك تلك العرصات و البساتين سوى أصحاب الحال و الشأن من النخبة الطنجاوية وكانت الأراضي وسط الهضبة فارغة حتى حدود المقبرة و كان المخزن يقيم بها تدريبات عسكرية بها و كان كما اشرت في السابق أن ملعب الأشجار قرب مقهى حنفطة كانت هناك آثار برج حتى حدود سنة 1910 ميلادي و هو الذي قصده بوريل في الفقرة التي ذكرتها أعلاه .ولكن ماهو وجه العلاقة بين مارشاند MARCHAND و مرشان .الأمر أبسط مما تتخيل فيه من التعقيد .إن المرافق الذي كان يرافق الكابطان بوريل كان يدله على أسماء الأماكن المحلية باللغة المتداولة و الحال أن الحذف وقع في الجملة من الكلمة مرس د الناس د الشان كما هو الحال أن تقول أهلا و سهلا و الأصل منها حللت أهلا و نزلت سهلا فكذلك في مرس د الناس د الشان فأصبحت مرس الشان ثم حذفت كلمة الناس لثقلها وإختفت السين إضغاما لقوة الشين وغلبتها في النطق على السين كما هو الحال في الزين و الجيم عند التقائهما ..
ولكن ماوجه العلاقة هذا مع ذاك في كلمة مارشاند و مرس الشان .إن طبيعة مهمة الكابطان بوريل هي مهمة جاسوسية بالدرجة الأولى و تهمه التفاصيل ويهتم بالدقة في جمع معلوماته فأول شيء سيثير انتباهه هي الناس د الشان و سيسأل عن معناها و قد تكرر هذا المنهج عند مولياريس في كتاب المغرب المجهول سنة 1899 حيث كان يدقق كثيرا في أسماء الأماكن و يسعى لمعرفة معانيها .فأنطوان بوريل بالضرورة سأل مرافقه عن المعنى وهذا ما سيتبين حتميا من كلمة مارشاند MARCHAND الواردة ..هنا يتحتم علي الركون إلى لسانيات طنجة و النسق منها تأصيلا لكي يتضح لي المعنى المراد به وادي التاجر PLATEAU DE MARCANDعند أنطوان بوريل. لكن فطانة الكابطان بوريل لم تكن موفقة إلى حد كبير ذلك أن اللسان الطنجي القديم كان لا يصطلح لفظ غني للتعبير عن الأغنياء بل كان عندنا إلى عهد قريب يرد على لساننا الطنجاوي الأصيل فلان تاجر أي فلان غني فالتاجر نقصد بها الغني و هو كذلك مول الشان و عندو الشان أما الذي يزاول التجارة فيسمى عندنا ب البياع شراي و نقول على الجمع عائلة د اتجار أي عائلة الأغنياء و منها جاءت كلمة التويجر أي الغني القليل الثروة .أما بوريل عندما جمع معلوماته و أراد صياغتها حينما قدمها سنة 1810 و كانت معلوماته قد جمعها من ماي إلى يوليوز سنة 1808 بطنجة فلم يجد بدا من ترجمة المعنى الذي سمعه مرس د الشان ووجد أمام ملاحظاته المسجلة في مذكراته وادي اتجار أو الراجل تاجر منه للي عندو الشان فما كان له من بد سوى ترجمتها إلى MARCHAND ..و أنا أقول لو كتبتها اليوم فلان تاجر لظنها القارئ أقصد به أنه يزاول التجارة و هي على العكس تماما مما نتداوله في لهجتنا المحلية ...وهذا هو المعنى من كلمة إسم مرشان أو مرس الشان كما في أصلها ..
كتبه ابنعبدالصادق الريفي .و لله المنة و الفضل بما فتح الله علي فإن أصبت فمن الله و إن أخطأت فمني و من شيطاني ..و الحمد الله رب العالمين ..8 مارس 2014م
..