في اللغة عادة ما نبدأ بالمبتدأ و يليه الخبر ,على عكس التاريخ الذي يبدأ بالخبر و ينتهي إلى معرفة المبتدأ منه .كما أن النحاة في اللغة العربية يقعدون اللغة على أساس أن الأسماء سابقة على الأفعال ,ومن هنا أبدأ بحول الله تعالى في تفصيل هذا الأمر من أمر القورجة لمعرفة أصلها ورافدها اللغوي و الإصطلاحي وكيف وصل هذا الإسم إلى المغرب ليصبح في النهاية مصطلحا دفاعيا في الشؤون العسكرية ..
فاللهم إني أعود بك من الحور بعد الكور و من العمى بعد البصر و الحمد لله على منته و فضله علي بما أفاض به و جاد علي من قبس هذا العلم الذي أحببت أن أشارككم به لتصحيح التاريخ و ضبط أصوله و و معرفة روافده .
1-ديوان الخبر في معنى القورجة :
القورجة كما عرفها معجم الألفاظ العمرانية بالمغرب تعريفا و اصطلاحا هي ستارة ثانوية تربط البرج البراني بالسور الاصلي و تستهدف غلق الطريق أمام الأعداء في أضعف نقطة في السور.ه. وأحالوا تتمة التعريف على مادة البدن حيث جاء:جذع العمود للقسم الاسطواني الواقع بين القاعدة و التاج ...وهو حائط يجمع بين استحكامين .
هذا التعريف الكافي و الشافي هو تماما يعبر بالوصف عما عليه قورجة طنجة التي ظهرت في صور القرن العشرين و قبلها بكثير في رسم جورج براون لسنة 1572 م .
و يتشكل الجزء الدفاعي في الشمال الشرقي من مدينة طنجة جهة المرسى من ثلاثة أبراج متداخلة فيما بينها وهي دار البارود و كانت في مقدمة البرج من جهة دار البارود و برج بريشة من جهة البحر و به مدفعية الإمسترونغ , و البرج البراني على البحر بشكل نصف دائري وهو برج شاشون و قبل المنفذ من جهة المرسى لهذا البرج كانت القورجة التي هي عبارة عن سور داعم مابين السور الرئيسي ومدخل برج شاشون ( انظر الصور) .هذا بالنسبة للتعريف العام .
و يتشكل الجزء الدفاعي في الشمال الشرقي من مدينة طنجة جهة المرسى من ثلاثة أبراج متداخلة فيما بينها وهي دار البارود و كانت في مقدمة البرج من جهة دار البارود و برج بريشة من جهة البحر و به مدفعية الإمسترونغ , و البرج البراني على البحر بشكل نصف دائري وهو برج شاشون و قبل المنفذ من جهة المرسى لهذا البرج كانت القورجة التي هي عبارة عن سور داعم مابين السور الرئيسي ومدخل برج شاشون ( انظر الصور) .هذا بالنسبة للتعريف العام .
أما بالنسبة للإسم الذي أشارت له المصادر التاريخية المغربية ,فقد احتفظت به رسما دون الضبط .ماعدا الإشارة الهامة التي أشار إليها عميد مؤرخي المغرب عبدالرحمان بن زيدان في كتابه الإتحاف في الجزء الأول في الصفحة 120 قوله :و اما زاوية القورجة =بتشديد الجيم كما رأيته في خط ابن غازي.فقد عفى منذ أزمان إسمها و إن بقي إلى الحين رسمها في الجملة و موقع مسماها بالمحل اليوم ..انتهى .و قد اشار صاحب المعجم ايضا إلى ضبطها بالقول : قال السيد سالم : ما أقامه الموحدون بنيان البرج البراني المعروف ببرج الذهب مع قورجته -فتحا للراء و الجيم -المتصلة بالسور الرئيسي .و قد قصد ببرج الذهب, البرج الذي يوجد في مدينة إشبيلية المعروف برج الذهب هوَ من معالم إشبيلية الباقية. وجاء في الموسوعة الحرة : فقد بنى وشيّدَ سوره الأماميَّ الحاكم أبو العلا إدريس عـام 1223م، وحفرَ حوله خندقاً ومدَّ منه سوراً قليل الارتفاع إلى نهر الوادي الكبير ببرج ضخـم كبـير الأضلاع هـو بـرج الذهب القائم حتى اليوم..
نستنتج بالقطع دونما الشك من النصين :أن القورجة هي مجرد حائط ثانوي دفاعي على شكل سد بين السور الأصلي للمدينة و البرج البراني و لا يرقى في كل الأحوال إلى برج .و يتضح أيضا من خلال جميع المصادر أن القورجة كحائط دفاعي هي استخذام حربي قام به الموحدون خلال القرن الثالث عشر الميلادي ولم يعرف المغرب قبلا أو بعدا هذا النمط الدفاعي في تحصيناته .و بالتالي يبقى السؤال المحير و العجيب في إسمها على التخصيص بلفظ القورجة بالتعيين و التحديد دون غيرها من الاسماء ودونما إضافة أسم مركب كبرج أو بستيون ...
2- ديوان المبتدأ من دربند كورائي في أرمينيا إلى القورجة بالمغرب ثم الأندلس :
يخبرنا القرآن الكريم أن ذا القرنين هو الذي أنشأ السد و الردم كجزء تحصيني لصد الهجمات الخارجية بقوله تعالى : قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا..) و قد اختلف العلماء على مر التاريخ في شخصية ذي القرنين .غير أنه في المنتصف الأول من القرن العشرين اهتدى العالم الهندي المسلم أبو الكلام أزاد بعقليتة الجبارة في البحث و التنقيب إلى التوصل إلى شخصية ذي القرنين, وحتى لا أطيل عليكم في تفاصيل معقدة يمكنكم التوسع فيها عبر الشبكة .فقد خلص العالم أبو الكلام أزاد أن ذا القرنين باني السد هو قورش الإخميني وقد عاش في القرن السادس قبل الميلاد
.
وكان المؤرخ الإغريقي هيرودت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد صاحب كتاب التاريخ الأول قد أشار بنحو من التفصيل لقصة قورش الأكبر و ابنه قمبيز و يعرف كذلك بكمبوش و كمبوشيا الأصغر وهو فاتح مصر .وكانوا قد استدلوا على رحلته بعدد من المعطيات الجغرافية كوجود نهر بإسم سايرس بالأرمينية و سايس باللآتينية و يعني نهر قورج .بالإضافة إلى وجود سد كما وصف في القرآن بإسم دربند كورائي أي حائط قورش .غير أن قصته لا تقف عند المؤرخ هيرودت فقط, بل تعدت إلى المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيوس الذي عاش بين 30 ميلادي و 100 ميلادي وكان نهاية حياته , يعيش في روما وكان قد أشار في كتابه تاريخ حرب يهودا ضد الرومان المؤلف في 78 للميلاد. إلى رحلته نحو أرمينيا للتحقق من السد دربند كورائي .
المهم حتى لا أثقل عليك بمعلومات كثيرة يمكنك العودة إليها عبر الشبكة بكتابة فقط الكلمات المفتاح التي أشرت غليها و اختصارا على نفسك يمكنك البحث عن كتاب أبو الكلام أزاد في ترجمته بالعربية ليتضح لك المشهد العام لتلك التحقيقات التاريخية .
.
وكان المؤرخ الإغريقي هيرودت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد صاحب كتاب التاريخ الأول قد أشار بنحو من التفصيل لقصة قورش الأكبر و ابنه قمبيز و يعرف كذلك بكمبوش و كمبوشيا الأصغر وهو فاتح مصر .وكانوا قد استدلوا على رحلته بعدد من المعطيات الجغرافية كوجود نهر بإسم سايرس بالأرمينية و سايس باللآتينية و يعني نهر قورج .بالإضافة إلى وجود سد كما وصف في القرآن بإسم دربند كورائي أي حائط قورش .غير أن قصته لا تقف عند المؤرخ هيرودت فقط, بل تعدت إلى المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيوس الذي عاش بين 30 ميلادي و 100 ميلادي وكان نهاية حياته , يعيش في روما وكان قد أشار في كتابه تاريخ حرب يهودا ضد الرومان المؤلف في 78 للميلاد. إلى رحلته نحو أرمينيا للتحقق من السد دربند كورائي .
المهم حتى لا أثقل عليك بمعلومات كثيرة يمكنك العودة إليها عبر الشبكة بكتابة فقط الكلمات المفتاح التي أشرت غليها و اختصارا على نفسك يمكنك البحث عن كتاب أبو الكلام أزاد في ترجمته بالعربية ليتضح لك المشهد العام لتلك التحقيقات التاريخية .
ما أود الإشارة إليه من التقديم هو أن المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيوس الذي عاش في أحضان الإمبراطورية الرومانية و التي كانت تبسط سيطرتها على شمال إفريقيا حتى القرن السادس الميلادي وكانت عاصمتها بالمغرب مدينة وليلي بالقرب من مكناس .وأشير قبل أن انتقل إلى الفقرة الموالية أن قورش الكبير هو الذي حرر اليهود من سبي بابل و ذكر إسمه صراحة في سفر دانيال و أشعيا و عزرا بكورش بالعبرية و قورش باللآتينية وكان للإمبراطور الإيخميني مكانة خاصة عند اليهود بعدما حررهم و أعادهم إلى فلسطين و وأعاد بناء هيكل سليمان الذي كان قد دمره نبوخد نصر الثاني .
3- الوجه العلائقي للتاريخ المكتوب و الذاكرة الشعبية الشفوية من إسم قورش و قورجة :
تتمة موضوع : المبتدأ و الخبر من أصل إسم القورجة في المغرب :
السؤال الوجيه و المحير, ماوجه العلاقة بين تاريخ ضارب في القدم يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد مع تاريخ القرن الثالث عشر الميلادي و العصر الموحدي أي مجموع 1900 سنة .؟؟قد يبدو الأمر محيرا فعلا .لكن لنبدأ في تفكيك هاته العلاقة و نسبتها من الصحة في التاريخ الشفوي الذي ينتقل من جيل إلى جيل و يتحرك بحركة الشعوب حيث يعتبر التاريخ الشفوي المنقول من أرقى التواريخ على الرغم مايشوبه من بعض النواقص في الرواية . و الموضوع الذي أعالجه اليوم ليس بالسهل, لأنه يعتمد على معرفة جيدة باللسانيات و اللغات الشرقية واللآتينية و العبرية القديمة و العربية و الدارجة المغربية و تأصيل قواعدها .فإنني بحول الله و منة منه سأشرح لك بعضا مما يهمنا في هذا الموضوع بالذات .
و من الفقرة الأولى و الثانية خرجنا معا و اهتدينا إلى المصطلحات التالية :
1- قورش
2- سايس كور
3-كمبوش
4- أخناتون
2- سايس كور
3-كمبوش
4- أخناتون
مما لا شك فيه أن هاته المصطلحات تكاد تنحسر في منطقة واحدة انطلاقا من جهة مكناس ثم نحو الشمال و تنحسر بشكل ضيق جدا بمنطقة الجديدة .وكما أشرت بداية أن الرومان كانت عاصمتهم وليلي وهنا يتضح لنا الإمتزاج الحضاري غير أني لا يمكن أن أتجاوز الطرح الذي قال به عبدالله العروي في كتابه مجمل تاريخ المغرب أن الحضارة القرطاجية تلاقت بشكل كبير مع الأمازيغ .و أي تكن البدايات فما أخلص إليه أن حضارات الشرق أثرت بشكل كبير في الثقافة المغربية بقيت رواسبها إلى اليوم .
1- تفكيك المصطلحات بين التأصيل و التفريع :
قورش : وهو على ثلاثة أضرب قورش و كورش و قورج و نأخذ باللفظ العبري كورش و كما هو معروف في المغرب أن الكاف المعقودة كآجادير لا تنطق إلا في مناطق الوسط و الجنوب بينما تنطق في الشمال قافا كقفة و كوفة وقلعي و كلعي و قل و كل .أما الشين تصبح جيما عندنا في المغرب في المناطق الشمالية و القريبة من الشمال على نحو المشحاح فتصبح المجحاح و بالتالي :تصبح عندنا كلمة كورش العبرية نطقا قورج .
سايس : و هي منطقة قرب مكناس منطقة أودية مائية قديمة و لها نفس الخصائص الجغرافية بنهر سايس في أرمينيا و هي هناك سايرس غير أن في اللغة اللآتينية يكتبونها سايس كورش و تعني نهر قورج .
كمبوش : كما قلت في السابق هو قمبيز الأصغر ابن قورج و قد حكم مصر في القرن الخامس قبل الميلاد و الذي يجول في مناطق المغرب يعرف أن نساءا في المغرب إلى اليوم يحملن هذا الإسم كمبوشية و هناك عداءة مغربية أولمبية حاليا تحمل هذا الإسم كما ان هناك افرادا جهة الدار البيضاء يحملون إسم الكمبوشي كمبوش كإسم عائلي و لدينا ممثل مشهور في المغرب بفرنسا يحمل اسم كمبوش كإسم عائلي ..
اخناتة : و الأصل منه الملك الفرعوني أخناتون و الذي مات في 1300 قبل الميلاد و كان اشهر من حملت هذا الإسم بالمغرب أم السلطان عبدالله بن إسماعيل المكناسية الأصل خناتة بنت بكار و مازال مسجد البرادعيين يحمل إسمها إلى اليوم و هو المسجد الذي سقطت صومعته سنة 2009 بمكناس .و ينتشر هذا الإسم في المدن التاريخية كمكناس و تطوان و طنجة و بعض المناطق النائية بالمغرب و لا يحبونه و يعتبرونه عيبا جهة الدار البيضاء . و تم حذف النون و إضافة تاء الثأنيت . و من الأخطاء الشائعة في المغرب تقعيد التأنيث بإضافة التاء المربوطة كعروسة و هي لا تصح إلا من عروس في العربية إلخ
2- مابين قورج و كمبوش العلاقة و الإستمرارية :
كما خلصنا أعلاه أن كورش بالعبرية تصبح لسانيا قورج بالمغرب و عندما يتم تأنيث الكلمة يصبح بهذا الرسم قورجة و ما سميت قورجة إلا بسبب انطباقها على الشكل الذي بنيت به بشكل حائط و كما قلنا أن القورجة كما عرفها ابن سالم أيام الموحدين هي عبارة عن حائط ساتر و ستارة دفاعية تحمي البرج البراني و بالتالي فهي السد و الذي اشتهر في الأولين ببناء حائط السد الذي يصد الهجمات الخارجية هو قورج الإخميني المعروف عندنا في القرآن بذي القرنيين .فهذا الشكل الدفاعي أخذ إسمه الإصطلاحي من إسم مخترعه كما هو اليوم الحال ساندويش و فورد و غيرها من الأشياء التي تحمل أسماء مخترعيها أو مكتشفيها و أضيقت التاء المربوطة للتأنيث تقعيدا بالشكل الذي أشرت إليه أعلاه .
أما كمبوش الذي حكم مصر فهو ابن قورج الإخميني لكن الذي يجعلنا نتوقف قليلا في حيرة كبيرة هو الإسم حيث نجده في مناطق القريبة من الشمال كإسم للنساء غير أننا في الشمال مازلنا نحتفظ بهذا الإسم كما هو الحال في مناطق محيطة بتطوان و المناطق الجبلية فكلمة كمبوش تستعمل بشكل واسع بفتح الكاف و ضم الشين و قد عرفه اللسانيون بالقول : تتعامل العامة مع الدخيل -بالمفردات ككيدر و الأصل منها يوناني كيدرا لا كما ذهب إليه صاحب المعجم الذي أحالها إلى الإسم العربي المركب الحمار الكدر أي الغليظ القوي .هاته مسألة اخرى أعود إليها فيما بعد- . يضيف صاحب المعجم :أما كلمة كمبوش من الدخيل في اللسان الدارج الذي تحركت به ألسنة أبناء الشمال و هو عبارة عن برقع و غطاء يغطى به وجه العروس في يوم العرس .لكنني أستطرد على هذا التعريف بالقول إن عرفت شيءا فاتتك اشياء و لنحاول تجميع افكارنا لأن الحقيقة في ثناياها و لا نراها بزحمة المعلومات .فإذا كان الكمبوش هو برقع و غطاء الرأس ,فمن الحضارات التي عرفت بشكل كبير بغطاء الرأس هي مصر القديمة و اسم خناتة أصله من مصر و هو أخناتون الذي ارتبطت قصته بالنبي يوسف عليه السلام فهو الإسم الذي يكاد ينحسر في المغرب و بالتالي نستنتج يقينا أن كمبوش و اخناتون وردا إلى المغرب عبر الثقافة الشفوية اليهودية .
و في النهاية أكاد أخلص إلى حقيقة واحدة بعد تجميع هاته المعطيات هي أن اليهود في مرحلتين مختلفتين هم الذين حملوا هذا الكم من المعلومات معهم شفويا في هجراتهم نحو المغرب و بالتالي تم شيوعها و ذيوعها في المنطقة التي كانوا يسكنون بها و من خلال العرض الذي قدمته في البداية فأول ما ظهرت هاته المصطلحات هي مكناس و المنطقة المحيطة بها وكيف لا و اليهود المغاربة القدماء كانوا بتلك المنطقة ....
اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور و من العمى بعد البصر فإن أصبت فمن الله و منة منه و إن أخطات فمني و من شيطاني .و الحمد لله في الأولى و الآخرة .