الأسرار الدفينة في الوثائق الغميسة من
:تاريخ طنجة
كتبه ابنعبدالصادق الريفي
:الفصل الأخير من طنجة البالية
إن السببية من التسمية المتعلقة بطنجة البالية تتعلق أولا بربطها أقدم المداشر على الإطلاق التي استمر تواجدها في طنجة على الرغم أن الشواهد المادية لاتحيلك على ذلك .وكنت في الحلقة الماضية توقفت عند البحث الذي قام به الباحث الأركيولوجي مونطالبان سنة 1950 في تقييد ورقة وهو ما يعرف عند المساحين الأركيولوجيين ب موقع الغنذوري الذي كان عبارة عن حضانة تابعة للمجلس البلدي سنة 1950 .و للأسف تم الإعتداء على كثير من بقايا الآثار هناك كان قد صورها تقريبا de la martinniere سنة 1887م و فسرها البعض أنها آثارا بيزنطية وقتها لكن واقع الحال أن موقع الغنذوري الأصلي لم يكن ظاهرا حتى زمن تيسوط الذي نشر بحثه سنة 1876 بباريس في المجلة الجغرافية .ونفهم من هذا كله أن منطقة الغنذوري كانت بها مآثر تاريخية هامة تعود للفترة الرومانية الضاربة في القدم آخرها يعود للقرن الثالث بعد الميلاد حسب الشواهد و اللوقا الأثرية المستكشفة في المنطقة برمتها و يعود آخر تاريخ للرومان هناك للقرن الخامس بعد ميلاد المسيح .و بحث مونطلبان سنة 1950 و الذي اكمله ميشيل بونشيش آخر المساحين سنة 1970 يوضح لنا أن حصنا للحراسة و بقربه قبورا رومانية من جهة الشرق و الجنوب كانت واضحة و معروفة مختفية بين الأشجار الكثيفة غير أن عوامل الزمن و عدم القدرة على الحفاظ عليها اختفى جزئيا ظهورها للعيان .و تعود أهمية اكتشاف مونطالبان لموقع الغندوري مع إشارة شارل تيسوط سنة 1875 و المسح الهام لطاراديل سنة 1954 لموقع البنيان بجهة بكدور حددا بشكل واضح الحدود الفعلية للمواقع الدفاعية لطنجة الرومانية ,و سأعود إن تيسر الوقت لموقع البنيان و ربطه بالأهمية التي شكلها أيام تقهقر الدولة الموحدية و بزوغ شمس دولة بني مرين حيث أن طنجة كانت تابعة لسبتة قبل استيلاء العزفي عليها أبو علي بن خلاص من قبل الرشيد الموحدي سنة 620 هجري 1249 ميلادي ...وهذا ليس موضوعنا الآن بالرغم أن تاريخ سبتة و طنجة ارتبطا ارتباطا وثيقا في تلك الفترة .
طنجة البالية الإسم أم المسمى ؟؟
كما سبق عرفنا معا أن منطقة الغنذوري عرفت بالآثار الرومانية منها الظاهر للعيان و منها غير ذلك .و بالصور الشاهدة سنة 1887 م نعلم أن أجزاءا من تلك الآثار كانت بالقرب من البحر .و سبق في الحلقة السابقة أن أشرت أن اسم طنجة البالية ورد في الخرائط البحرية للقرن السادس عشر و السابع عشر .ب vieux tanger et old tangier فما الذي حمل واضعي الخرائط بإطلاق تلكم التسمية على منطقة تعتبر من الأرياف و الضواحي ..هنا علينا التمعن جيدا في الكيفية التي يفكر بها الأجانب .أولا السبب الجوهري هي نزول المساحين الجغرافيين بالمنطقة عبر البحر بشكل أو بآخر أرجحها شخصيا أن سكان طنجة البالية ربطتهم علاقة بالسفن العابرة إما بتزويدها بالماء أو ببعض المواد التموينية و هذا ما كان يسمح للمساحين برؤية المنطقة عن قرب و يمكننا الجزم أن أول الإكتشافات الأثرية من خلال تلكم الشواهد كانت بالمنطقة وكانت في تلك الخرائط مجرد إشارات عبروا عنها ب old tangier et tanger vieux على اعتبار أنها منطقة كانت متمدنة أو منطقة حضرية و تم هجرها ذلك أن علم الأركيولوجيا كعلم مستقل لم يظهر إلا في أواخر القرن الثامن عشر و بظهور هذا العلم بدأت المواقع الأثرية يشار إليها ب maroc antique et tanger antique و سنفهم فيما يلي كيف تم هذا الأمر بكل بساطة .هي مسألة ترجمات لا أقل و لا اكثر و قضية مصطلحات .فقبل مأسسة علم الأركيولوجيا كان يشار للمناطق المهجورة و بها خرائب بنيوية ب القديم طنجة القديمة أو طنجة البالية .وهو اعتبار الإختلاف في الترجمة لا أكثر نأخذ على سبيل المثال لا الحصر ...archives ترجمها المغاربة المحليون في عصرهم بالذخائر ثارة و ثارة أخرى بالمستنذات و في أخرى بالوثائق وهذا هو حاصل الترجمة أو ما سمعوه من الأجانب بالحرف .ففي طنجة المدينة التي كانت دار الاسوار يسمونها بعدما توسعت طنجة خارج الأسوار أحيانا ب medina و في أخرى ancienne medina وهنا ستلاحظ أن مصطلح المدينة القديمة أو ancienne ظهر في القرن العشرين و بدأنا اليوم نحن كطنجاوة نصطلح هذا المصطلح بشكل عادي بيننا أن نقول المدينة القديمة هل يتصور لك الحال أن كل طنجاوة الذين كانوا يسكنون في بلدتهم أن يقولوا عنها طنجة القديمة ؟؟؟..و هي في النهاية مسألة مصطلحات وقتية حسب ظروفها و تداولها ...و يمكن القول أن تمرير كلمة طنجة البالية جاء عبر الأجانب الذين كان لهم اطلاع على الخرائط القديمة و ترجمت الكلمة إلى البالية و يرجح بالنسبة لي إن إسم طنجة البالية ظهر بعد سنة 1845 م بهذا اللفظ قياسا على فاس البالي إن صح عندي القياس ..
لقد جنحت عن الموضوع الرئيس للبنية و قبة السلطان و قبة السلاطين و كان لزاما علي أن أوضح الأمر في طنجة البالية غير ان الجزئية من تاريخ إطلاق هذا اللفظ نطقا على المنطقة لايمكنني الحسم فيه الآن إلى ان تكتمل و تلتئم عندي كافة الدلائل و الشواهد في وثائق محلية أو عدلية تعود لفترات أقدم و تكون الوثائق لسنة 1800 و ما قبلها هي البرهان الوحيد أن إسم طنجة البالية هو اسم محلي خالص لا علاقة له بالترجمة التي لقنها الأجانب للسكان المحليين كما أشرت إليه و ما أعرفه أن تلكم المنطقة عرفت محليا بالغنذوري ..
اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور و من العمى بعد البصر و لله المنة و الفضل فإن أصبت فمن الله و توفيقه و إن اخطأت فمني و من شيطاني .
انتظروا في الحلقات القادمة التفاصيل السرية في تاريخ طنجة حول قبة السلطان و قبة السلاطين و البنية المنصورة في طنجة ..