الأحد، 30 أغسطس 2015

هل أجدادنا كانوا أغبياء و المعنى من يا حلوفو يا كرموصو :


هو مثل يضرب للشيء و مثله أي في لهجتنا فحال فحال و في العربية تترجم إلى كما الحلوف كما الكرموص .و في معجم الفقيه الرهوني في الصفحة 136 جاء : الكرموص : التين و الكرمة .شجرة التين و الصاد للجمع على قاعدة الإفرنج من استعمالهم السين أو الصاد في الفرق بين المفرد و الجمع وهذا تحريف في الكرمة و الكرموص لأن مسمى الكرم عند العرب العنب لا التين و من ا
لأمثال عندنا يقصد منطقة تطوان : احسابلوا الكرمة و فيها الكرموص ..ساعة هي خربة و فيها الناموس ..يضرب لمن ظن خيرا فتخلف ظنه ..انتهى .

والملاحظ أن هذا من أغرب و أعجب التعاريف و التأويل الذي قرأته من فقيه جليل كأحمد الرهوني صاحب كتاب العمدة و أحد نجباء تلامذة الفقيه المؤرخ بن جعفر الكتاني صاحب السلوة .و لا أدري ما حمل الفقيه الرهوني على استخراج هاته القاعدة العجيبة جدا بكون الكرموص هي جمع كلمة كرم و أضيفت السين أو الصاد كما في الفرنسية و الإنجليزية و الإسبانية ..إلخ .. حيث لم يكن المغاربة أغبياء لتلك الدرجة ليستعيروا القواعد اللغوية .على كل هذا دليل أن الرهوني لم يكن عارفا باللسان الأمازيغي بما فيه الكفاية ولم يكن بالذكاء الكافي لتفسير هذا الأمر و ربما كان على عجلة من أمره فلم يعنى بهاته القضية بما فيه الكفاية ..

و قبل أن أبدأ بفضل من الله و منة منه فلابد لي أن أترحم على الفقيه أحمد الرهوني صاحب كتاب عمدة الراوين الذي صدر في 10 أجزاء فتغمده الله برحمته الواسعة .و لا يفوتني أن أذكركم أن هاته الإستدراكات لا تنتقص من علم و لا للمكانة العلمية في شيء للفقيه الرهوني قيد أنملة فهو المؤرخ الثاني لتطوان و أستاذ الفقيه داوود التطواني صاحب أكبر كتاب في التاريخ البلداني على الإطلاق في تاريخ التواريخ المحلية بالمغرب فرحم الله الجميع و نفعنا الله بهم آمين و خلد إسمهم في الذاكرين لما تعلمنا منهم و من كتبهم الشيء الكثير .

ففي العربية لا يستقيم إسم الكرموس على ثمر شجرة التين و الذي إسمه العلمي في العربية جوز التين .غير أننا في المغرب نطلق تعريفين لثمر شجرة التين وهو الباكور وهو كما عرفه الرهوني نفسه في معجمه ب الباكور هي كل فاكهة عجلت الإخراج و هي من البكور و الباكر وتطلق عندنا على نوع خاص أبيض من التين يطعم في الصيف .وجاء في المثل أللا يا الباكور يا المطيبة باللآجور يعني أنها نضجت قبل أوانها .أما الأسود منها فقد قال عنه الرهوني أنه نوع من التين طويل الحجم .و لم يعرف الرهوني أن كلمة غذ و أغد تعني الجرح و هاته هي صفة ثمرة الغدان عندما تكون ناضجة جدا تتشقق بحلاوتها و يسيل منها نوع من السكر .

التأصيل العلمي ل ياحلوفو يا كرموصو :

إن كلمة كرموص التي تعني عندنا في الشمال عن ثمر شجرة التين ماهو في أصله اللغوي سوى كلمة أمازيغية تستعمل في الأطلس أكرموص وواحدته تاكرموصت . و تطلق على التين الشوكي الذي نطلق عليه في مناطق الشمال الهنذي و قد أطلق الرهوني معنى الهنذي على ضربين : أن يكون أصلها من بلد الهند أو أنها تقطع بآلة الهند أي السكين و هنا أميل إلى صحة كلامه لأن كلمة الهند كانت تطلق على الحديد الذي لا يصيبه الصدأ بسرعة و يكون صلبا فما تزال هاته الكلمة دارجة في كلامنا بالحديد المهند و خصوصا الحديد الذي صنع في النصف الأول من القرن 20. أما الكرموص فهي تطلق في مناطق الداخل على الهندي .كما لا ننسى عندنا في الشمال في الأصل بالنسبة لكلمة الكروم فكانت تطلق على العنب و شجرة الكروم .

المعنى من ياحلوفو يا كرموصو :

هي من الفتاوى الدارجة أو الفتوى الإستعجالية تبيانية و تدل على حرمة المطعومات المسيحية أو ما تعرف عندنا بأكل النصارى .و الاصل فيها مبني على معنى سابق كان العامة من الناس يتداولونه بكثرة أيام ما كان اليهود موجودون بكثرة في المغرب فكانت العامة تقول : اليهود كل مكلا ديالوم و ما تنعاس في فراشوم .و يدل على حل طعامهم ووساخة أفنيتهم ومنازلهم .و قد جاء يا حلوفو يا كرموصو جوابا دارجا على حرمة الخنزير و هو ما استدل به ب كلمة حلوفو و حرمة الخمر و استدل به بالكرموص و الأصل الواضح هنا بالعربية الفصيحة لمحذوف لجملة معناها :حلال طعامهم إلا الحلوف و الكروم .و الأصل الأصيل فيها ياحلوفو يا كرومو أما الصاد فقد أضيفت عندما اختفت كلمة الكروم العربية من التداول الدال على العنب ,فكلمتا حلوفو و كرومو بهما ضمير مسستر تقديره هو أي المسيحي .

إن التشابه الكبير في بناء الكلمة بين الكروم في العربية و هو العنب و كلمة أكرموص التي تعني التين الشوكي في الأمازيغية جعل التحريف يدخل لإنتقال الكلام شفاهيا بين المناطق و كما هو معروف أن الأمازيغيين هم الأغلبية الغالبية من سكان المغرب عموما و الشمال خصوصا و بالتالي انتقال الكلام شفاهيا أفقده المعنى الحقيقي منه أما كون التحول في الكلمة فمرده إلى كون غلال شجرة التين و التين الشوكي تنبت في وقت واحد و بما أن أهل البادية في غالبيتهم من الأمازيغ فجلبهم لكلتا الفاكهتين معا في الموسم و إطلاقهم كلمة كرموص على التين الشوكي غلبت على كلمة التين فاضمحل المعنى العربي لكلمة الكروم التي كانت تطلق على العنب ..
نستخلص أن اللهجة الدارجة في المغرب من أصعب اللهجات على الإطلاق لتداخل لهجات محلية بعضها في بعض و بالتالي يتبدد المعنى و يتطلب هذا الأمر معرفة دقيقة بلسان أهل المغرب الذي يعرف تنوعا كبيرا ما بين عربي و دارجي و أمازيغي و حساني لفهم دقة المعاني
.